مع قرب استشهاد الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه أفضل الصلاة والسلام، أضاء سماحة الشيخ حسين بوخمسين في كلمة صلاة الجمعة في الثاني والعشرين من محرم لعام 1442 للهجرة ، أضاء على حياة مولانا السجاد بعد واقعة عاشوراء قائلا بأنه كان أحد أركان ذلك الحدث الإلهي العظيم. وأشار سماحته للمصلين في مسجد الإمام المهدي بالنزهة أنه من المهم جداً التعرف على حياة الإمام السجاد بعد ذلك الحدث الهام الذي أثر ويؤثر على حياة البشرية إلى يوم القيامة، متسائلاً : كيف كان تعامل الإمام مع واقعهم بعد ذلك الحدث الذي جرى عليهم.

ونبه سماحة الشيخ أن هناك صورة نمطية يغلب طرحها عن الإمام على الجمهور المعاصر وهي أن الإمام سلام الله عليه كان مريضاً يوم كربلاء بل وكان مشرفا على الوفاة لولا إرادة الله ببقائه بعد الحسين عليهما السلام. وعلامة ثانية من تلك الصورة أنه كان الأسير الذليل والمكبل في ركب السبايا. أما العلامة الثالثة التي يكررها الكثير من الخطباء فهي أنه كان الإمام البكاء، إذ عاش بعد أبيه قرابة الخمسة والثلاثين عاماً وهو يبكي ويعتزل الناس. وهنا دعا سماحة الشيخ المصلين إلى التوقف ومراجعة تلك الصورة النمطية وتقييمها، بل ونقد حالة تكرارها بغية تهييج العواطف. ورغم أن العاطفة مطلوبة لإحياء هذه الشعيرة، إلا أنه لا ينبغي التركيز على هذا الجانب من شخصية الإمام  مما يكرس صورة الضعيف والمظلوم والمسلّم لأعدائه المستسلم في دنياه في ذهن شبابنا وجمهورنا.

والحقيقة أن الروايات التي تتكلم عن الجوانب الأخرى من حياته تنقل صوراً كثيرة جداً عن الإمام في حياته العبادية والروحية والأخلاقية والعلمية والفكرية وجوانب البناء الإنساني العظيم، المغاير لتلك الصورة النمطية التي كرستها بعض المنابر.

هذا وقد ذكر سماحة الشيخ العديد من الرويات عن حياة الإمام بعد واقعة كربلاء بيّن فيها أنه كان إنساناً عبقرياً مخططاً استراتيجياً شاملاً، وسلك ما يجب أن يسلكه أي قائد ناجح وعظيم لا سيما أن الواقع بعد حادثة الطف كان مأساوياً ويتطلب الكثير من العمل لبناء ما هدم من شخصية الأمة.  إذ في السنوات التي سبقت كربلاء – أضاف الشيخ – نجح طغاة بني أمية في سلب الوعي من الأمة وقاموا باختطاف الفكر وإرهاب الأنفس وتغييب أو تشويه صورة أهل البيت في الأذهان.

واسترسل سماحة الشيخ بالقول : إن هذا الواقع الذي كان سائداً بعد عودة الإمام من الشام إلى المدينة هو الواقع الذي سطرته سيوف بني أمية بكل جزئياته بالدم والحديد والنار، ومع عبقرية الإمام ( سلام الله عليه ) وبعد نظره أن استبق توقع الأهوال التي وقعت بعد كربلاء بعد قراءة دقيقة للساحة في مكة والمدينة فارتحل إلى البادية واتخذ بيتاً من الشعر. وبعد أن تحقق ما توقعه الإمام من واقعتي الحرة في المدينة ورمي الكعبة بالمنجنيق في مكة ، رجع الإمام سلام الله عليه إلى المدينة وبدأ مشوار جهاده ضد سلطات البغي الأموية وخالف صورتنا، صورة البكّاء المعتزل  وذلك بتخطيطه وكفاحه.

وخلص سماحة الشيخ في نهاية كلمته إلى وضوح ورسوخ جوانب القوة والبأس والبصيرة وذروة القيادة في شخصية وحياة الإمام سلام الله عليه خلافاً لما تردده المنابر بالروايات التي تقتصر على تكريس تلك الصورة النمطية الضعيفة.